متى نتوقف عن هذه العادة؟
متى نتوقف عن هذه العادة؟
قد يكون مقبولاً أن يتعانق الناس ويتبادلوا القبلات اذا تلاقوا بعد طول غياب كما في جالات السفر وقد يكون مقبولاً أن يفعلوا ذلك في مناسبات اجتماعية معينة ك الزواج والنجاح في الامتحانات.
أما ماليس مقبولاً فهو التعانق وتبادل القبلات في كل مره يلتقون فيها ببعضهم حتى لو تم ذلك كل يوم عدة مرات وهي عادة تسللت الي حياتنا الاجتماعية ونشطت في السنوات الاخيرة ويبدو أن بدايتها كانت بين النساء ثم انتقلت الي الرجال و تركزت بين الشباب من الجنسين.
والغريب انها تتم في كل الاوقات وكل المناسبات وأحياناً في أول اللقاء وآخرة.
ومعظم الناس تجارى هذه العادة خوفاً من الظن وسوء التأويل فالمرء يخاف اذا رفضها ان يفسر ذلك باسباب كالنفور او الاستعلاء او الغرور او وجود اشياء ما في النفوس تكدر العلاقه وتؤثر على سهولة انسايبها.
ومما يؤكد هذه التصورات ان المرء يمتنع عن مثل هذه التحية اذا كان بينه وبين الاخرين اي توتر كما ان هناك من يحرص على اظهار هذا النوع من التحية على انه ايثارأو تفضيل لبعض المقربين في حين يصافح اخرين باليد وكلها امور ادت الى ترسب بعض الانطباعات ان التقبيل علامة على لبرضا ودليل للأستحان والقبول الشخصي.
**ولكن هل هذه الاحضان والقبلات تعد دليلاً على زيادة المحبة وتأجج المشاعر بين الناس؟
الواقع وللأسف الشديد يؤكد عكس هذا فالمشاعر الايجابية بين الناس قد ضعفت والحب واحترام مشاعر الاخر والحرص على مصالحه ليست هي المسيطرة على العلاقات الانسانيه في الزمن الحالي.
بل إنك اذا تابعت حواراً بين هؤلاء الناس الذين رأيتهميقبلون بعضهم سيدهشك حجم التوتر واحتدام النقاش وضعف الحرص على المصالح.
بل أن هناك قدراً من المشاكل التي لم يعهدها مجتمعنا قد طفت على السطح في السنوات الاخيرة مما يدعم فكرة ان الحب والتسامح واحترام الاخر أصبحت أقل تأثيراً في حياتنا الإجتماعية:
ابن يطرد اباه من الشقه حتى يتزوج فيها
ابنه تحتال على امها حتى تاخذ اموالها
اخوة يآتمرون على ابيهم ليكتب لهم الميراث في حياته ثم يسيئون معاملته بعده
جيران ترمي قمامتها امام مدخل العمارة
جار يحتفل بفرح ابنته والشقه المقجاوره بها مأتم
صديقان يتنافسان على وظيفة فيحاول كل منهما تشوية صورة الاخر
امور مثل هذه تحدث في وقعنا كل يوم ثم تفاجأ ان هؤلاء الناس انفسهم يتبادلون القبلات في كل لقاء بينهم.
الكل يعاني من أزمة الأخلاق أو فلنسمها أخلاق الازمة حتى يكون هناك بصيص من الأمل اننا سنتخلص من كل هذه السلبيات مع إنتهاء أزمتنا الراهنة.
ولكن كيف نفسر انتشار هذه الظاهرة؟
اغلب الظن ان هذه الطقوس العاطفية قد ظهرت مع اختفاء المشاعر الحقيقية بين الناس وربما كبديل لها وهي محاولة تعطي انطباعاً خاطئاً ان المجتمع لا يعاني ازمات في العلاقات الانسانية.
فحين اتضح ان الناس لم تعد تحمل قدراً من المشاعر الايجابية كما كان في عهود سبقت ظهرت هذه الظاهرة.
كان الناس سابقاً يحبون بعضهم رغم عدم التقبيل اما الان فالتقبيل هو وسيلتهم العيانية للتعبير عن اشياء مفقودة كالامان والحب والاطمئنان الاجتماعي وبما اننا في عصور تقديس المادة اخذت هذه المشاعر صورة مادية للتعبير عنها حتى يراها الجميع رغم انهم لا يحسونها ومنطقها مبني على فكرة انني ما زلت احب الاخرين ودليلي على ذلك انني أقبلهم.
واذا كنا نرفض هذه العادة لأضرارها النفسية لانها أصبحت طقساً واجباً لأشياء قد ضعفت في داخلنا الا ان هناك اسباباً اخرى لرفضها منها انها تزيد احتمالات الاصابة بالامراض المعدية ولذلك يحرص البعض ان يبعدك عنه بيده حتى لا يحدث عناق عند الاصابه باي مرض ومنها ان الاجانب ينظرون الينا باستغراب شديد فالرجال عندهم لا يقبلون رجالاً.
واذا حاول احدنا تقبيل صديق اجنبي تعبيراً عن حبه له فإنه سيتلقى ذلك منه بكل علامات التعجب التي يعرفها.
الا يكفي السلام بتحية اليد او بالمصافحة في لقاء الناس اللهم الا في المناسبات الخاصة او مع اشخاص لهم مكانة خاصة.
اما القبلات فيجب ان نعيد النظر فيها لأنها ضارة صحياً ونفسياً واجتماعياً فهي تعطي انطباعاً خاطئاً ان المشاعر الطيبه طغت على حياتنا الاجتماعية فتحرمنا من البحث عن اسباب التوتر في علاقتنا الانسانية حتى يعود الحب الحقيقي بين الناس، كما كان في الزمن الجميل وليس بمثل هذه الطقوس الزائفة التي تغطى على كل المشاعر السلبية داخلنا.